من عفا ساد ومن حلُم عظم
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ،، ألقيها عليك وأحييكم بها ماتعاقب الملوان
وعدد ما هللّ المسلمون ،، وبعدد ما تآلف المتآلفون ،،
أحبتي ،، لن أقول ،، كيف أنتم وكيف هي الأحوال ،، بل إننا نعيش في حالة عزاء ،، وألم ،، في ضلّ ما يصيبُ الأمة
من القتل والتشريد والذل والهوان بين الأمم ،، لكن إلى نشتكي ،، وإليه نبتهل أن يبدل الحال ويعز الإسلام والمسلمين ،
أحبتي بعد السلام والتحية وبعد الانقطاع عن ساحات الفكر ،، الذي لم يصرفنا عنه وعنكم إلا كثرة الأعمال ،، وتواصل المهام فبالكاد نجدُ سويعاتِ من يومنا كي نهنأ بالمنام ،،
أحبتي أود أبدأها هنا بسلسلات ،، كما هي السلاسل في الخواطر ،، لكنني هنا أودها أن تكون تربوية ،، تفقه طالب العلم ،، وتعلّم من قصرت به السبل دون العلم ،، وماهي إلا يومياتُ وخواطر قلب مشفق يحب الخير للغير
إذن لن نبخل عليكم بل ( سنجود بما يجود به القلم من مكنونات الحقيبة الفكرية القادمة ) ونسأل الله إلا عانة السداد ،،
وقفتنا هذا اليوم ،، في مبدأ من مبادئ الإسلام الذي حث عليه كتاب ربنا حيث قال سبحانه في محكم التنزيل
( وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم )
إذن والله ياربنا إننا نحب عفوك ورضوانك ونشهدك أننا سنسعى لأن نعفوا من المسيء ونحسن لإخواننا
مادام هذا أمرك ياربنا ،، ويامولانا ،، ونسألك أن تعفوا عنا حال تقصيرنا ،،
إذن أيها الكرام من مبدأ العفو والحلم ،، نستلهم الكثير والكثير من الفوائد فهي والله تغسل القلوب وتصفي السرائر
كيف لا وأن أعظم ما يكون العفو هو ( عندما يكون العفو عند المقدرة )
سأذكر لكم حادثة حصلت في يوم من الأيام ،، حين تقدم رجل قليل الفهم صغير العقل ( إلى المحكمة الشرعية) يرفع دعوى كيدية
ضد منشأة تابعة لصديق مقرب ،، وكنت حينها خارجاً ( في سفر) فحدثني نائب المدير وأخبرني بالحدث ،، فقلت له دعه يفعل ما يحلو له ،، فوالله إن( الصدق منجاة) ولا يظلم ربك أحداً قال إن معه رأسأ كبيراً ( يعني مسئولا ذو شأن و سلطة)
قلت له ( فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم) يا أخي هل تشعر أنك مذنب قال لا ،، قلت إذن مم تخاف قال أخشى أن تقلب الحقائق ويتلاعب بالقضية! قلت توكل على الله و لاتعطل العمل بل كن في عملك ،، وسأتدبر الأمر ،،
المهم أن القصة طويلة ( لا يسعني المقام لذكرها هنا وربما لاتفيد القارئ الكريم )
والحاصل أن القضية انتهت وتبين لنا أنها دعوى كيدية ! نابعة من حقد دفين يختلج في نفس ذاك المسكين
وطبعاً طالبنا بالتعويض وقبل طلبنا ! فجاء ذاك الرجل ليطلب ليعتذر طالباً العفو عنه
رغم أن الكثير طالبوني بالصرامة و إيقافه عند حده ،، لأنه أخذ من وقتي وتفكيري وحتى أخذني من أهلي ،،
إلا أنني طلبت ذاك الرجل وتحدثت معه في مكتبي و سألته عن الأسباب ومن وراء كل هذه الضجة
وقلت له ( سأعفوا والله لكن أعطني ما أريده أنا ) ! ولن أطالبك إلا بالنصف
ففرح وتهللت أساريره ،،
ومادعاني للتفكير في العفو إلا تأسياً بالمصطفى عليه الصلاة والسلام حين تمثل قو الله تعالى :
(وجزاءُ سيئةٍ سيئةٌ مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لايحب الظالمين)
وقال تعالى :
(إن تبدوا خيراً أو تخفوه أو تعفوا عن سوء فإن الله كان عفواً قديرا)
ومازاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزا
ولنا عبرةً من كلام معاوية لإبنه ،، حين قاله له بعد ماحصل بينهم وبين ابن الزبير
( من عفا ساد ومن حكم عظم ،
ومن تجاوز استمال إليه القلوب ،
فإذا ابتُليتَ بشيء من هذا فداوه بهذا الدواء)
والحقيقة أن الدروس التي تعلمنها ممن كانوا قبلنا كثيرة ،، تستلزم منا قيلاً من الجهد حتى نرتفع من الجهالةِ إلى العلم
ومن التخبط إلى الدراية
فقد كان الأحنف كثيراً ما يتأسى بمنهج الأعلام وكان كثير العفو والحلم.. وكان يقول:(ما آذاني أحدُ إلاّ أخذتُ في أمرهُ بإحدى ثلاث:
(إذا كان فوقي عرفتُ له فضله،وإن كان مثلي تفضّلتُ عليه،وإن كان دوني أكرمتُ نفسي عنه)
فيا الله ما أروع التجرد من الأهواء ومن الذات ،، نعم هم أولئك الأفذاذ ،، يعرفون ما يقولون ويتعلمون من سقطات من هم دونهم
وقد سب أحدهم( الشعبي) ،، وهو رجلٌ له فضله وعلمه ولا يخفى على أهل العلم
فقال له الشعبي : إن كنت كاذباً فغفر الله لك وإن كنت صادقاً فغفر الله لي
ولنا عبرةً وآية في قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع الأعرابي (غورث) الذي أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم
فقال الأعرابي
من يمنعك منى ؟ .. فقال- صلى الله عليه وسلم :
( الله ) .. فسقط السيف من يد غورث .. فأخذه – صلى الله عليه وسلم وقال : من يمنعك منى الآن ؟ قال غورث : كن خير آخذ فتركه وعفا عنه فعاد إلى قومه يقول لهم : جئتكم من عند خير الناس
إذن أيها الأحبة لنجعل لنا من ( العفو) رسالة سلام رسالة مودة و وئام ،،
فلنتقي الله ونجعل مخافته نصب أعيننا ولنتجنب سخط الجبار ،، ولنتقرب إلى الله
فو الله إن ترك الذنوب الآثام تتأكد حال الفتن وحال الحروب ،،
فلتعفوا ،، ولتتحابوا ،، ولتتآلفوا ،،
وارسموا نهجاً لأنفسكم وأكسوها برداء العفو فمن عفا ساد ومن حلم عظم ومن تجاوز استمال إليه القلوب
فيالله ما أجمل أن تستميل إليك القلوب ويحبك أهل الأرض وأهل السماء ،،
اللهم أجعلنا متحابين فيك ومتآلفين ،، واجعلنا ممن ترفعهم هذه المحبة إلى أعلى درجات الجنان ،،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد ،،
/////