الاستشهاد بالوقائع الثابتة والحوادث التاريخية المثالية في ميدان الوعظ والإرشاد ، شبيه بعملية بعث الروح ، والحياة ، في مهمة الوعظ ذاتها ، (( فالقصة المدروسة )) شكلا ومغزى ، فن أدبي رفيع يضاهي فنون الأدب الأخرى المتمثلة ، بالنثر ، والشعر ، والرسالة ، والمقامة .وفضلا عن ذلك فهي أكثر العملات رواجا عند العامة ، والبراعة في سردها ، وفي اختيار مقامها ، والتسديد في تطبيق مغزاها على مقتضى الحال ، وفي إلقاء الأضواء على خوافي معانيها ، وجلاء مبهم مراميها ، ما يجعل لها مفعول السحر في نفس السامع ، ناهيك عما تحققه الحكاية المختارة ، في الموعظة المختارة ، من آثار في التكوين النفسي ، والسلوك العملي للسامع .
فهي من جهة تنقله على موجات العواطف ، نقلة تكاد تكون حقيقية إلى الماضي ، فيعيش مع أشخاصه ، ويتفاعل مع أحداثه ، ولذلك فإنك تراه يتأجج حمية ، حينما تدور الواقعة حول الشجاعة ، وتشحن نفسه بتيارات المروءة حينما تدور حول الإيثار ، وتنبسط بالسخاء حينما تدور حول الكرم ، وتنهمر دموعه خوفا من إهمال التزود ليوم الحشر حينما تدور عن مخافة الله ، وتراه ترق مشاعره ، وتسمو عواطفه ، ويطيف به طائف ملائكي ، تذوب معه أنانيته ، وتنمحي أثرته ، وتختفي سلطته ، وتسلطه ، حينما تدور الواقعة المروية عن (( المحبة )) في الله .
كما أن القصة كانت إحدى أبرع الأساليب البلاغية التي حفل بها القرآن الكريم ، حتى أن ((القصص الحق)) ، كان منهجا للقرآن الكريم في دعوته وذلك في قوله تعالى (( إن هذا لهو القصص الحق )) سورة آل عمران ((62))، كما أن أحسن القصص ظاهرة تفرد بها القرآن الكريم في قوله تعالى (( نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن ))سورة يوسف ((3)) .
وبالمقابل فإن أنباء الرسل ، كانت وسيلة الوحي الإلهي ، لتثبيت فؤاد النبي الكريم في مهمته الإنسانية ، ورسالته الإلهية ، وذلك في قوله تعالى ((وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك))سورة هود ((12)) .وقد لعبت القصة في تاريخ الوعظ الإسلامي دورا مهما جدا ، وتكونت في أول عصر التدوين والرواية ، طبقة من المتخصصين بمخاطبة العامة ، عن طريق رواية القصص ، حتى لقب بعضهم بلقب ((القاص)) ، فاتخذوا من أساطين المساجد ، في كل من الكوفة ، والبصرة ، ودمشق ، مكانا لإلقاء المقبول والمردود من القصص ، ولرواية العجائب والغرائب من الحكايات .